add

الاثنين، 30 مايو 2016

نجيبة الحمروني في ذمة الله



النقيبة المتخلية نجيبة الحمروني :
من نساء بلادي اللاتي هنّ نساء ونصفُ ... 

من الصعب في هذا الزمن الثورولوجي الأزرق، أنْ يُحافظ المناضلون على سِيرتهم وخطّ سيْرهم الواضحيْن .. وخاصة إذا تبوّؤوا مراكز قيادية في قطاعات طلائعية وحيوية مثل قطاع الإعلام.

السيدة نجيبة الحمروني من القلائل اللائي والذين غالبوا هذه الصعوبة .. بل نجدهم في النهاية قد غلبوها.
لا أجد صراحة الكلمات المناسبة والتي يُمكنها أنْ تَسَع إعجابي وفخري بهذه المرأة التونسية التي صعدت العام 2011 إلى منصب نقيب الصحافيين التونسيين في أعقاب مؤتمر كان من بين أولى المؤتمرات التي جرَت بعد الثورة. كنتُ أسمع وأقرأ عن هذه السيدة التي كانت ضمن مكتب النقابة الذي كان ابن علي -ذات أوت 2009 وهو في طمبكو طبعًا- قد قرر تصفيته كما فعل مع جمعية القضاة وحاول أن يفعل لكنه لم يُفلح مع رابطة حقوق الإنسان. ولم يكن الدكتاتور الفارّ ليَفعَل ذلك لولا أنّ المكتب المغضوب عليه انحاز لقطاعه وانتصر لصفته وهويته كممثل للصحافيين بالدعوة إلى والعمل على حماية الحق في حرية التعبير وحماية النفاذ إلى المعلومة واستقلالية وسائل الإعلام وتعدّديتها دون أي لُبْس أو مُواربَة.

بعد الثورة، التقيْتُ بالسيدة نجيبة في الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي وكانت تجلس حذو الصديق المناضل فوزي الشرفي في المقعد الذي أمامي .. ولم يَكن لقائي بها ليَخضَع لأحكام الفضاء وحدَه بل كنّا نشترك في معظم الرؤى والمقاربات ونتقاسَم ما لا حصْر له من الصور عن تونس الأخرى التي حلمنا بها وتوهّمنا أننا على الطريق المؤدية لها ..

طيلة السنوات الثلاث التي تفصلني اليوم عن ذاك التاريخ، كنتُ أتابع الإيقاع النضالي والنقابي الصاخبيْن لصديقتي بنت الشعب الذي أحبّه حشاد .. لم تتأخر يوما عن معركة .. ولم يتسرّب الشك إليها من أيّ جهة أو ناحية .. كانت دائما "ثابتة الخطوة تمشي" .. نازعت وصارعت و"قاتلت" على كل الجبَهات التي تتطلب الصراع والمُواجَهة الحيّة .. عاندت وكافحت وغالبت على نوع آخر من الجبَهات كان يتطلب الصمود والثبات والمُغالبَة .. ناصرت وقاسمت وشاركت على جبهة المجتمع المدني الواسعة والعريضة فأشاعت من روحها وصهرت من قواها في الروح والقوى التي التقت على تونس المدنية والديمقراطية والتحررية.
كنتُ أرقبُ آداءها في أصغر المعارك مع زملاء لها من مكتبها أو حوله أو ضدّه .. وفي أكبرها مع أعداء الإعلام الوطني الحُرّ المهنيّ المُحايد ومع أعداء تونس .. ورأيتُ أنها وبقدْر ما أصابت في عديد المواقف، فإنها في البعض الآخر لم تُحكِم توجيه الدفّة وما تقرير «أخلاقيات العمل الصحفي» الذي أصدره المرصد التابع للنقابة الوطنية للصحفيين التونسيين والذي كان مَحلّ سُخط كثير من المهنيين والنقابيين والحقوقيين إلاّ عيّنة على ذلك.

لكن وفي كل الأحوال، فإنّ النقيبة المتخلية كانت نجيبة كل النجابة ولا سيّما في امتحان الديمقراطية والتداول: نجحَت بتميّز لافت على مدى سنوات "المراقبة المستمرّة" ونجَحت بتميّز باهر في الامتحان النهائي، امتحان التخلّي والمُداوَلَة بين الصحافيات والصحافيين بحساسياتهم واتجاهاتهم وأجيالهم كافة ودون استثناء.

حقًّا .. لقد كانت نجيبة الحمروني واحدا من أبرز التعبيرات الحسّية المجسّمة لقول أولاد أحمد الشعري المُكثف:
كتبتُ،
كتبتُ ..
فلم يبق حرْفُ.
وصفتُ،
وصفتُ ..
فلم يبق وصفُ.
أقول ،إذاً، باختصار وأمضي:
نساء بلادي ..
نساء ونصفُ.

عن عبد اللطيف حداد 

ليست هناك تعليقات:

اضافة تعليق

2016 جميع الحقوق محفوظة © zooming